هل تتشكل كتلة عربية صلبة بعد هجوم قطر؟ دور مصر والرسائل المرسلة إلى الغرب

في مسرحٍ سياسيٍّ يتغيّر سريعًا، جاءت استهداف مواقع داخل الدوحة لتدفع بالعناوين الكبرى إلى الواجهة: الردع، قنوات التفاوض، ووحدة الصف العربي. لم يكن الحدث تفصيلاً عابرًا، بل هزّ حسابات العواصم وفتح الباب أمام أسئلة مؤجلة: هل ما حدث «جسّ نبض» لردود الأفعال؟

تبدو الدوحة هدفًا مركّبًا لأنها تجمع بين دور الوسيط وموقع القاعدة العسكرية الأجنبية، ما يجعل أي خرقٍ في جغرافيتها رسالةً أمنية-سياسية مزدوجة. فالمغزى لا يتوقف عند الضغط على فصيلٍ فلسطيني، بل يمتد إلى التشكيك في حصانة أراضي الوسطاء واختبار استعداد العواصم لتحويل التضامن إلى سياسة.

هل كانت العملية «جسّ نبض»؟ الراجح أنها تقدير موقف مركّب: على مستوى الخطاب لقراءة حدّة الإدانات، وأمنيًّا لرصد إجراءات حماية الوسطاء والوفود، وعلى مستوى المسارات لمراقبة مرونة الوسطاء أمام الضغوط. على نحوٍ أوضح: الرسالة تستفهم: أين تقف الخطوط الحمراء؟ وهل تتحول الكلمات إلى مؤسسات؟

على الضفة الخليجية، تراقب الحكومات أثر السابقة. إذا سقطت سابقة داخل أراضٍ عربية حليفة، فما الضامن لعدم التكرار؟ من هنا تتقدم على الطاولة خمس حزمٍ مبدئية: تطوير شبكات الدفاع الجوي ومكافحة المسيّرات، توثيق أمن مقار الوساطة، توسيع تبادل المعلومات، إدارة أكثر صرامة للمجال السيادي، وميثاق عربي لأمن الوساطة.

أمّا في المسار المؤسسي، فثمة أدوات ضغطٍ دون عتبة التصعيد العسكري: مذكرات احتجاجٍ صريح، ربطٌ شرطيّ لمسارات التطبيع، تدويلٌ قانونيٌ مدعوم بالوثائق، لغة سياسيّة متماسكة تُعرّف استهداف الأراضي العربية بوصفه تهديدًا مباشرًا للاستقرار يستوجب رسوم كلفةٍ متراكمة. هنا تبرز الفاعلية: رفع كلفة الخرق دون غرقٍ في سباقٍ مفتوح.

الموقف المصري أساسي بحكم التاريخ والأمن ودور القاهرة في الوساطة، غير أن السيناريو الأرجح لا يذهب إلى تحركات منفردة خارج الأطر، بل إلى ضغطٍ دبلوماسيٍ محسوب مع تنسيقٍ عربيٍ وثيق يهدف إلى تثبيت خطوط حمراء مع حفظ أبواب الحل مفتوحة. بهذه الصيغة تُوازن القاهرة بين الأمن القومي وأدوار الوساطة، وتدفع في صياغة ردٍّ جماعيٍّ رصين.

هل يمكن أن يتحوّل الغضب الشعبي إلى موقفٍ عربيٍّ واحد؟ حسابات المصالح تقول إن الارتباطات الاقتصادية والأمنية متشعبة، وأن القطيعة مكلفة بلا جدوى. إلا أن ما يمكن تحقيقه هو سقف قرارٍ أعلى: موقفٌ موحّد في قضايا السيادة، تنويعٌ مدروس للشراكات، وقواعد حماية تُرسل للشركاء الدوليين رسالة واضحة: الخلاف سياسي لا حضاري، لكن المساس بالأراضي العربية غير مقبول.

وأين القوى الآسيوية الكبرى من ذلك؟ الملحوظ أنهما يعتمدان خطاب التهدئة، لكن المسافة تتيح فرص الشراكة: كلما تراجع الاطمئنان بـمظلّةٍ أحادية، ازداد إغراء التنويع عبر صفقات تسليحٍ وتقنية يحفظ التوازن بل يعزّز القدرة على التفاوض. بهذه المقاربة تكسب العواصم هامش قرار دون اصطفافاتٍ صلبةٍ جديدة.

من دروس الأزمة أن حماية منصّات الوساطة ليست ترفًا دبلوماسيًا بل ركنًا في الاستقرار الإقليمي. لذلك تبدو فكرة «ميثاق عربي لأمن الوساطة» أداةً رادعة: قواعد واضحة لحماية البعثات، آلية إنذارٍ مبكر، تصعيدٌ مؤسسيٌ تلقائيٌ محدد على كل خرق، وقناة اتصال دائما مع العواصم المؤثرة لتثبيت الخطوط الحمراء.

اقتصاديًا، تشتبك المصالح المالية بالقرار؛ المشاريع العابرة للحدود تفترض ثقةً قابلة للقياس. كل سابقةٍ مماثلة تزيد علاوات المخاطر، وتؤثر في تدفقات رأس المال. لذلك فإن ترسيخ قواعد ردعٍ مؤسسية أقل تكلفةً بكثير من معالجة نتائج الخلل. في هذه النقطة تتقاطع مصلحة الفاعل الاقتصادي مع صانع القرار: استقرار المؤسسات هي الضمانة لاستمرار التنمية.

في الخلاصة، استهداف مواقع في الدوحة اختبارٌ قاسٍ لهندسة الردع الإقليمي وأدوار الوسطاء. إن كانت العملية اختبارًا، فإن الاستجابة الممكنة موجودة: لغة مشتركة تتشكل، ونقاشٌ جادٌّ حول استجابةٍ جماعية، مع أسئلةٍ صعبةٍ لواشنطن وحساباتٍ دقيقة لتل أبيب. ومع دورٍ مصريٍّ راجح وبناء جسور دفاعٍ مشتركة، يمكن للعرب أن يسدّوا ثغرات الردع دون الانزلاق لصدامٍ شامل. تلك هي المعادلة الواقعية: رسالةٌ قوية بلا انفجار، وموقف المنح القطرية والرقابة سيادي موحّد يقول إن الوساطة ليست منطقةً مباحة، وإن السيادة العربية لا تُختبر مرتين.

ولأجل حاضرٍ أكثر أمانًا، تبقى ركائز لا غنى عنها: شبكات إنذارٍ ودفاعٍ مدمجة، تقنين حماية الوساطة، ولغة قانونية صارمة تغلق شهية تكرار السوابق. عبر ذلك فقط، تتحوّل الأزمة فرصة في بناء أمنٍ عربيٍّ أمتن لا تخاصم العالم، لكنها ترسم حدودًا لا تُمسّ.

....

Eco-Friendly Fashion shopysquares Our Partner Site Latest Updates

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *